الرياضيات عند المسلمين

(إن الرياضيات هي أعظم منجزات الحضارة العربية للتطور الحديث الذي لا يبدو فيه أثر محقق للثقافة الإسلامية، وليس هناك ما هو أشد وضوحًا من أن العلم الطبيعي والروح العلمية هما القوة الدافعة التي تشكل قوة دائمة مميزة في العالم الحديث ومصدرًا عظيمًا لاتقائه) (روبرت بريفولت) The Making of Humanity
تعتبر العلوم الرياضية العربية في الحساب والجبر والهندسة والمثلثات، إحدى الركائز التي استندت عليها نهضة أوروبا العلمية، عندما ترجمت إلى اللغة اللاتينية أشهر مصنفات العلماء العرب في هذا المضمار والذين قطعوا شوطًا بعيدًا في الارتقاء بالعلوم الرياضية إلى الدرجة التي قربت معها من مرتبة الكمال.
ففي الحساب أثر العرب في أوروبا بما عُرف عندهم فيما بعد باسم الأرقام العربية، وهي الأرقام التي أخذها العرب عن النظام الهندي في علم الحساب، إضافة إلى ما أوجدوه من تتمة مهمة لهذه الأرقام باختراعهم نظام (الصفر)، ولذلك يقول المستشرق (دمبير): (وفي القرن التاسع أيضًا، فإن الأرقام الهندية قد اكتملت بواسطة الاختراع العربي

لعلامة الصفر، وحلت محل الأرقام الرومانية السمجة في أوروبا).
    لقد قدم تراث العرب والمسلمين للعالم فيضين عظيمين من الإنجازات البشرية؛ ألا وهما لغة جديدة من الشرق، وأصول الرياضيات من الغرب، وسواء نسب اكتشاف الأرقام إلى الهنود أو إلى المسلمين فمن المسلّم به على وجه اليقين أن رياضيي المسلمين هم الذين استخدموا هذه الأرقام، وأدخلوا النظام العشري، وعلّموها للعالم أجمع. إن الفكرة الفذّة التي يعبر بمقتضاها عن جميع الأعداد باستخدام عشرة رموز، حيث يتخذ كل رقم قيمة ناشئة عن موضعه أو موقعه، بالإضافة إلى قيمة مطلقة، إن تلك الفكرة قد فاتت علماء مدرسة الإغريق، وعلماء مدرسة الإسكندرية.
     إن نظام الترقيم العربي الذي يقوم على فكرة منازل الأعداد يعد واحدًا من أكثر نتائج الفكر البشري عطاء، ويستحق أعلى درجات الإعجاب، إن بساطة الترقيم تعتبر واحدة من أعظم منجزات العقل الإنساني، فالترقيم في يد المحلل المحنّك يصير أداة فعالة (لاستخراج الحقائق الخفية والقوانين الغامضة من باطن الطبيعة). ولذلك يقول (لي إميرسون بوير): (إنه بدون الأرقام لم يكن لنا أبدًا أن نحلم

بكثير من الفنون، ولكانت الرياضيات لا تزال في مهدها، وبالأرقام يصبح المرء مسلَّحًا بقوة كقوة الرسل، فيتنبأ بأحداث الكسوف، ويشير إلى كواكب جديدة لم ترها عدسات المناظير بعيدة المدى، ويحدد مسارات الأجسام المتحولة على غير نظام في الفضاء، ويقدر الأزمنة والأحقاب التي انقضت منذ أن أفاض الخالق النور على الكون).
    كما يقول العالم الرياضي المشهور (ل. تود ستين) في مقالة (الأعداد العربية): (إن وصول الرياضيات لما هي عليه الآن يرجع إلى ابتكار المسلمين لعملياتهم الحسابية العظيمة). إن الاكتشافات العلمية للرياضيات في العصور الوسطى على يد المسلمين هي التي ساعدت على تطوّر علم الجبر إلى ما هو عليه الآن، وكان لعلماء الرياضيات المسلمين فضل كبير لابتكاراتهم في الجبر، خاصة لعلماء من أمثال أبي موسى الخوارزمي، وأبي كامل بن أسلم الحاسب المصري، وسنان الحراني، وثابت بن قرة، وإن كان الخوارزمي أشهرهم برسالته الهامة (حساب الجبر والمقابلة) والتي لعبت دورًا كبيرًا في الحضارة الإسلامية والوعي العالمي الرياضي، فقد كانت منهلاً نهل منه العلماء واعتمدوا عليه في بحوثهم، وأخذوا عنه كثيرًا من


النظريات، ولذلك يعتبر المسلمون هم المؤسسون لعلم الجبر والمبدعون في أبحاثه ونظرياته.
     كما ينبغي أن ينسب علم حساب المثلثات إلى علماء العرب والمسلمين، كما هو الحال بالنسبة لعلم الهندسة ونسبتها لعلماء اليونان. ولذلك يقول (عمر رضا كحالة) في كتابه (تاريخ العلوم البحتة في العصور الإسلامية): (يرجع الفضل الأكبر للعرب في وضع علم المثلثات بشكل علمي منتظم مستقل عن الفلك، وفي الإضافات الهامة التي جعلت الكثيرين يعتبرونه علمًا عربيًّا، كما اعتبروا الهندسة علمًا يونانيًّا، ولا يخفى ما لهذا العلم من أثر في الاختراع والاكتشاف، وفي تسهيل كثير من البحوث الطبيعية والهندسية والصناعية).
     وقد دفع ميل المسلمين المتخصصين في علم الرياضيات ـ بما في ذلك عِلْمَا الحساب والجبر ـ إلى أن يهتموا بعلم الفلك، ليتمكنوا من تطبيق نظرياتهم الرياضية، وكان عند علماء المسلمين رغبة شديدة في التعرف على علوم الحضارات السابقة، لذا عمت معرفتهم جميع العلوم المعروفة، فاستعانوا بالمعارف والعلوم اليونانية، كما ترجموا المؤلفات الهندية والشرقية إلى اللغة العربية. ولقد نظم علماء العرب والمسلمين إنتاج الهنود واليونانيين في

علم الفلك وصهروا علمهما وأضافوا معلومات جديدة على ذلك. كما أنهم نجحوا في فصل علم حساب المثلثات عن علم الفلك، فصار علم المثلثات علمًا مستقلاًّ عن علم الفلك، وعرفوه بأن الأنساب (للنسب المثلثية)، وطوّروا في هذا العلم وتعمقوا في كثير من نظرياته حتى قال المستشرق (فلورين كاجوري): (إن هناك أمور كثيرة وبحوث عديدة في علم حساب المثلثات كانت منسوبة إلى (ريجو مونتانوس) ثبت أنها من وضع المسلمين والعرب وأنهم سبقوه إليها).
    وقد برع في هذا العلم (أبو الوفاء البوزجاني)، خاصة بعمله في (حساب المثلثات الكروية) فهو أول من استخدم المماسات والقواطع ونظائرها، في قياس المثلثات والزوايا. ولقد صرح (غوستاف لوبون) (أن آلات الرصد التي استعملها أبو الوفاء كانت على جانب عظيم من الدقة والإتقان). ثم تابع أبحاثه من بعده كل من البيروني في مؤلفه (القانون المسعودي) والطوسي في رسائله الرياضية والفلكية.
     البوزجاني حياته ومؤلفاته: فإذا توقفنا عند عالم جليل وفذ اشتغل بالرياضيات وخاصة حساب المثلثات إضافة إلى براعته في الأرصاد وعلم الفلك ـ فإننا نجد هذا مُجَسّدًا في أبي الوفاء محمد بن يحيى بن إسماعيل بن العباس

البوزجاني الحاسب والذي عاش بين 328/388هـ (940 ـ 988م) وقد ولد في بوزجان بين هراة ونسيابور من أرض خراسان، وتوفي في بغداد حيث عمل في الرصد والتأليف.
   ويعتبر أبو الوفاء البوزجاني من أبرز علماء الرياضيات والفلك، وقد نال شهرة عظيمة لإقامته مرصدًا في بغداد، ولشروحه وتعليقه على مؤلفات إقليدس وديوفانتوس وبطليموس. ومن الجدير بالذكر مزاوجة العلماء الرياضيين العرب بين النظريات الأكاديمية الخالصة، وتطبيقاتها العملية المستخدمة في علوم الفلك والحياة اليومية، وقد كان أبو الوفاء أبرز هؤلاء العلماء الذين حققوا هذا، خاصة وأنه أحد أعضاء المرصد لذي أنشأه (شرف الدولة) في سرابة عام 377هـ/987م. ولذلك يقول (قدري طوقان) في كتابه (تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك): (إن البوزجاني من ألمع علماء العرب، الذين كان لبحوثهم ومؤلفاتهم الأثر الكبير في تقدم العلوم، ولا سيما الفلك والمثلثات وأصول الرسم. وفوق ذلك كله كان أبو الوفاء من الذين مهدوا السبيل لإيجاد الهندسة التحليلية). وليس غريبًا أن يبدع أبو الوفاء في جميع فروع الرياضيات، حيث أدخل علم الهندسة


على علم الجبر، وابتكر حلولاً جديدة للقطاع المكافئ، مما أدى إلى اكتشاف الهندسة التحليلية وعلم التفاضل والتكامل.
   وقد عكف أبو الوفاء على التأليف في العلوم الرياضية والفلكية. ومن أشهر كتبه ورسائله ـ على ما يذكره عمر كحالة، في كتابه (العلوم البحتة في العصور الوسطى): (أن أبا الوفاء قد اشتهر بما يلي:
* كتابه (الكامل) وهو ثلاث مقالات: (المقالة الأولى في الأمور التي ينبغي أن تعلم قبل حركات الكواكب، والمقالة الثانية في حركة الكواكب، والمقالة الثالثة في الأمور التي تعرض لحركات الكواكب)، ويشبه كتاب المجسطي لبطليموس، ومن أهم مصنفاته الأخرى:
* كتاب في عمل المسطرة والبركار والكونيا. وقد ترجم الأوروبيون هذا الكتاب وسمَّوه Geometrical Construction، وبفضل هذا الكتاب تقدم علم أصول الرسم تقدمًا واسعًا.
* كتاب ما يحتاج إليه الكتّاب والعمّال من علم الحساب، ويقع في سبعة فصول؛ الثلاثة الأولى منها في الرياضيات البحتة، والأربعة الباقية في المعاملات اليومية بين الناس في المكاييل والمقاييس.


* كتاب ما يحتاج إليه الصانع من عمّال الهندسة، وقد استفاد في هذا الكتاب من مؤلفات إقليدس وأرشميدس وهيرون، وركز على المسائل المستعصية عند الإغريق، مثل تضعيف المكعب، ومحاولة تثليث الزاوية، وتربيع الدائرة.
* كتاب فاخر بالحساب استعمل فيه الحروف الأبجدية بدلاً من الأرقام العربية.
* كتاب حساب اليد.
* كتاب زيج الوادي وهو زيج فريد من نوعه، ويحتوي على كثير مما رصده في مرصده المشهور في بغداد.
* كتاب تطرّق فيه إلى علم حساب المثلثات الكروية.
* رسائل في الرسم الهندسي واستعمال آلات الرسم.
* كتاب في الأشكال الهندسية عمومًا.
* كتاب فسَّر فيه نظريات ديوفانتوس في علم الأعداد.
* كتاب فسَّر فيه كتاب أبرخس المعروف باسم كتاب التعريفات.
* كتاب فسَّر فيه كتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي.
* كتاب المدخل إلى الأرثماطيقي.
* رسالة في حركة الكواكب.
* كتاب في الفلك.

* ورسائل أخرى كثيرة مثل: (رسالة العمل بالجدول الستيني، استخراج الأوتار، الزيج الشامل، رسالة عن المجسطي، استخراج ضلع المربع، رسائل صغيرة في الهندسة).
    ونلاحظ أن أبا الوفاء قد كتب شروحًا كثيرة لكتاب ديوفانتوس، والمجسطي لبطليموس في علم الفلك، وهندسة إقليدس جامعًا بين المنهجين اليوناني والهندي. مما دعا (جورج سارتون) مؤرخ العلم في كتابه (تاريخ العلم) أن يوضح أنه علق على جميع مؤلفات إقليدس في علم الهندسة، وأنه برهن بطريقة علمية بحتة كيفية تحديد رؤوس شكل كثير الأسطح المنتظمة داخل كرة مستعملاً فرجارًا ثابت الفتحة.
    إنجازات أبي الوفاء الرياضية والفلكية: يقول (كاجوري) في كتابه (تاريخ الرياضيات): (إن أبا الوفاء أضاف إلى بحوث الخوارزمي إضافة هامة جدًّا، ولا سيما فيما يخص علاقة الهندسة بالجبر، وذلك بحل بعض المعادلات الجبرية المهمة هندسيًّا مثل س4=ج، س2+ج س3=ب. كما استطاع أن يجد حلولاً جديدة للقطع المكافئ، فمهّد بذلك لظهور الهندسة وحساب التفاضل والتكامل). وحساب التفاضل والتكامل هو أرقى وأروع الاكتشافات التي وصل

إليها العقل البشري، حيث إنه المصدر الأول للمخترعات والمكتشفات الحديثة.
وقد قضى أبو الوفاء جُلَّ وقته في دراسة مؤلفات الرياضي الكبير البتاني في علم حساب المثلثات، فعلَّق عليها وفسر الغامض منها. ولذلك يقول المستشرق (سيديو) في كتابه (تاريخ العرب العام): (إن أبا الوفاء البوزجاني ذلك العالم الذي يتردد اسمه كثيرًا خلال المناقشات الأكاديمية في أوروبا ـ قد صحح أخطاء الفلكيين الذين سبقوه).
    وقد اهتم أبو الوفاء بالكسور الاعتيادية، وكان الناس قد ألفوا الكسور الأساسية (التي بسطها الوحدة) أي على شكل1/ن، حيث (ن) عدد صحيح موجب. ولكن أبا الوفاء عالج الكسور بجميع أشكالها البسيطة، وابتكر أبو الوفاء طريقة جديدة في حساب جداول الجيب، وفي تلك الجداول حساب زاوية 30 درجة، وكذلك جيب زاوية 15 درجة بطريقة فائقة الدقة صحيحة إلى ثمانية منازل عشرية. كما عرف لأول مرة الصلات في علم حساب المثلثات، وهو ما يعرف اليوم بالعلاقة جا(أ+ب) وغيرها من الصلات بين الجيب والظل والقاطع. وقد انتبه (جورج سارتون) في كتابه (المدخل إلى تاريخ العلم) إلى هذه حين قال: (إن أبا الوفاء أول من وضع النسبة المثلثية (ظا)، وأول من استعملها في

حلول المسائل المثلثية. كما أوجد طريقة لحساب الجيب، وكانت جداوله رائعة بدقتها، فحسب زاوية 30 درجة، وكذلك زاوية 15 درجة، وكانت مقاديره صحيحة إلى ثمانية أرقام عشرية).
   ويقول الدكتور علي عبدالله الدَّفّاع في كتابه (العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية): إنه كانت لعلم الفلك سيطرة على علم حساب المثلثات، إلا أبا الوفاء حذا حذو أستاذه البتاني في العمل الجاد على فصل علم حساب المثلثات عن علم الفلك، وقام بإنجازات عظيمة في هذا المجال. وقد وصفه (كارل بوبر) بأنه (من المسؤولين الأوائل في فصل علم حساب المثلثات عن علم الفلك، حتى تمكن من إدخال علم الجبر عليه بالطريقة النظرية، وهذا واضح من متطابقاته المثلثية). ولقد واصل أبو الوفاء بِجِدٍّ وإخلاص فصل علم حساب المثلثات عن علم الفلك بطريقة نظامية لم تؤثر أبدًا على تقدم علم الفلك، بل شجعت على استخدام الطريقة الاستنتاجية في حل المسائل الفلكية.
   كذلك يرى (موريس كلاين) أنه مبتكر القاطع (معكوس جيب التمام) قا، وقاطع التمام (معكوس جيب الزاوية= قتا)، كما أوجد جداول لجيب الزاوية (حا) وظل الزاوية (ظا) لكل عشر دقائق. وقد أولى أبو الوفاء المتطابقات المثلثية عناية

كبيرة، وهي التي ما انفكت تلعب دورًا هامًّا في علم حساب المثلثات، وقد ابتكر عددًا كبيرًا منها، إن مكانة أبي الوفاء في علم حساب المثلثات واضحة جلية لمعظم المتخصصين، فقد وضع طريقة عصرية سهلة لحساب جداول الظل وجيب الزاوية، وابتكر متطابقات مثلثية لا تزال تدرس في المدارس والجامعات في جميع أنحاء العالم. أما فيما يتعلق بعلم الجبر فإن العالم المسلم المشهور محمد بن موسى الخوارزمي واضع علم الجبر بكتابه (حساب الجبر والمقابلة)، قد كرّس جهوده في وضع المعادلة ذات الدرجة الثانية، وتبعه علماء مسلمون آخرون طوّروا علم الجبر حتى ظفروا بنتائج مرضية للغاية للمعادلة ذات الدرجة الثالثة، أما أبو الوفاء البوزجاني فكان طموحًا ولم يقف عند هذا الحد، بل واصل العمل الجاد وابتكر حلاًّ للمعادلة ذات الدرجة الرابعة.
وكما كانت لأبي الوفاء إنجازات رياضية ضخمة، كانت له أيضًا اكتشافات في علم الفلك، بل يعد من أشهر علماء الفلك في عصره، وخاصة في المدرسة البغدادية ذات الأعمال العلمية غير المسبوقة في الحضارة الإسلامية، خاصة وأن أبا الوفاء قد استعان بأرصاد كثيرة ودقيقة بفضل مرصده ببغداد، والذي ساعد على إنشائه وعمله، ومما اكتشفه هذا

العالم الجليل ـ على ما يذكر (غوستاف لوبون) في كتابه الضخم (حضارة العرب) تعيينه بالضبط لمبادرة الاعتدالين ووضعه من التقاويم الهامّة والدقيقة لأمكنة الكواكب السيّارة. ومما عرفه عالمنا الكبير الاختلاف القمري الثالث، فقد استوقف نظره ما في نظرية بطليموس من النقص في أمر القمر، فبحث في أسبابه، فرأى اختلافًا ثالثًا غير المعادلة المركزية والاختلاف الدوري، يعرف اليوم بالاختلاف. ويقول (غوستاف لوبون): والحق أن هذا الاكتشاف الذي عُزِيَ بعد أبي الوفاء بستمئة سنة إلى تيخو براهه، عظيم إلى الغاية، فقد استدل مسيو (سيديو) به على وصول مدرسة بغداد، في أواخر القرن العاشر إلى أقصى ما يمكّن علم الفلك أن يصل إليه بغير نظّارة ومرقب).
وكان أبو الوفاء مجهزًا بآلات متقنة، فقد شاهد انحراف سمت الشمس بربع دائرة يبلغ نصف قطرها إحدى وعشرين قدمًا، أي يبلغ من الاتساع ما يعد كبيرًا في المراصد الحديثة. وفي عام 380هـ/990م توجه عدد كبير من علماء الفلك إلى بغداد ليراقبوا أعمال أبي الوفاء في مرصده. فسيطر أبو الوفاء على الموقف، وذاع صيته بين العلماء آنذاك، وسمي بعدها (موسوعة المعرفة) ومن المؤسف حقًّا ـ كما يذكر الدكتور علي عبدالله الدّفّاع ـ أن

علماء الرياضيات والفلك في بلاد الغرب يحاولون تجاهل فضل عالمنا المسلم المشهور أبي الوفاء على علم حساب المثلثات وغيره من فروع الرياضيات والفلك، وقد انتحل كثير من علماء الغرب بعض اكتشافاته ونسبوها لأنفسهم مثل: (ريجيو مونتانوس) الذي نسب لنفسه معظم نظريات أبي الوفاء في علم حساب المثلثات، وكتبها في كتابه المشهور عند الغرب بعنوان (De Trianglis).
   ومن المعروف أن علماء المسلمين في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) اهتموا بسير القمر واختلاف مسيرته من سنة إلى أخرى، (وكان لاهتمامهم هذا بواعث دينية بجانب البواعث العلمية، خاصة لارتباط القمر بالعبادات في الإسلام) وفي عام 388هـ/988م اهتدى أبو الوفاء إلى معادلة مثلثية توضح مواقع القمر سماها (معادلة السرعة). ومع ذلك عمد العالم الفلكي الدنماركي (تيخو براهي) إلى تضليل الناس بادعائه أنه أول من عرف هذا الخلل في حركة القمر، ولكن من حُسْنِ الحظّ أن من بين الباحثين الغربيين من جَهَرَ بالحق، وبيّن أن أبا الوفاء هو صاحب الفكرة ومكتشفها الأول، ولذلك قام بعضهم بإطلاق اسمه على فوهة بركان على سطح القمر تخليدًا له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تم ارسال تعليق